ثورة يوليو 1952

رغم مرور 56 عاماً علي قيام ثورة يوليو 1952. إلا أن التحديات التي واجهت مصر بعد قيامها مازالت بصورة أو بأخري حاضرة وإن ارتدت أثواباً أخري أو أصبحنا نعرفها بمسميات جديدة.
كانت الثورة لطمة قاسية علي وجه الاستعمار القديم في إفريقيا والوطن العربي وقال عبدالناصر مقولته الخالدة "علي الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل".. كان ذلك إيذاناً ببدء عصر جديد انطلقت فيه الشعوب لتقرير مصيرها بنفسها دون وصاية أو انتداب.
وهكذا بدأ العالم الثالث كله ينظر إلي عبدالناصر باعتباره رمزاً لحركات التحرر. لكن قوي الاستعمار القديم حاولت إجهاض مشروع النهضة المصرية التي كادت تنجح في تحقيق مكانة باسقة بين الدول العالمية.. ومن ثم واجهت مصر مؤامرات وتحالفات. ربما لم تستطع في فترة ما أن تقرأ خريطة التغييرات العالمية جيداً. فحدثت انكسارات وإخفاقات أثرت علي مسيرة الثورة ومشروعها. لكنها لم تفت في عضد رجالها فأكمل السادات مسيرة عبدالناصر وحرر الأرض بالحرب والسلام وقرأ المتغيرات العالمية في توقيت ملائم ومبكر فاستطاع أن ينجو ببلاده من مصير مازال آخرون يعانون منه.
56 عاماً مضت ولبست التحديات السابقة كما قلت أثواباً جديدة فالاستعمار القديم أصبح "العولمة". وسيطرة الإقطاع السابق تحولت إلي تكتلات وتحالفات اقتصادية عظمي تطحن الاقتصاديات الصغيرة.. سقطت الاشتراكية والشيوعية في معاقلها بروسيا والصين.. ارتفعت أسعار الطاقة بحيث لجأت الدول الكبري للوقود الحيوي الذي ينتج من الغذاء الأمر الذي نجم عنه ارتفاع هائل في أسعار الطعام.
ومن ثم فالتحديات التي تواجه مصر الآن لا تعني أن الزمن تطور وتطورت معه التحديات فقط . وإنما يعني أن التحديات الداخلية أصبحت جزءاً مما ينبغي علينا مواجهته.. الخطر ليس خارجياً فقط ولكنه داخلي وأقرب إلينا من حبل الوريد.
الخطر في الإرهاب والتطرف وذبح الوطن بسكين بارد.. الخطر في فهم مبتسر للديموقراطية يجعل البعض يبادر في كل صباح إلي التشكيك في كل شيء وأي شيء ويسارع إلي تشويه المنجزات ويقتبس من الصحف الإسرائيلية والأمريكية ما يسيء إلي مصر وقيادتها.. الخطر يكمن في صحف وفضائيات همها الأول والأخير غسل دماغ الشعب وانتزاعه من واقعه وإعادته إلي ماضي لم يعد ممكنا استعادته مرة أخري.
الخطر يكمن فيمن يريد أن يجعل المصريين يثورون ضد بعضهم البعض بسبب الدين أو بسبب الفقر أو بسبب البطالة.. الخطر يكمن في الأشقاء الذين ساعدتهم مصر كثيراً ويتراءي لهم الآن دخول سيناء والتوطين فيها بحجة أنهم مضطهدون من إسرائيل ويجب علي مصر الاعتناء بهم.
الخطر يكمن فيمن ينفذ مخططاً إرهابياً ضدنا زاعماً أن الدولة علمانية خرجت عن الدين واستأجر لنفسه أبواقاً صحفية وأقلاماً غير شريفة لتمرير هذا المفهوم المدمر.
كل هذه أخطار تعلمها الدولة وتراها. لكن التحدي الحقيقي أن تظل الحكومة علي حماسها للحفاظ علي معدل نمو مرتفع وسط تباطؤ الاقتصاد العالمي.
الدولة مستمرة في الإصلاح رغم المحاولات المستفزة التي يقوم بها البعض لإعاقة الإصلاح والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.
إن القيمة التي غرستها الثورة في النفوس لم ولن تتغير وهي أن الوطن غال والهوية مقدسة والإرادة حديدية والأمن القومي المصري من المحيط إلي الخليج. فإذا تهددت دولة عربية واحدة. فإن مصر تهب مدافعة ليس بالجنود والجيوش الجرارة فقد مضي زمن خروج جنودنا للحرب خارج حدودنا. وإنما بالدبلوماسية والثقل السياسي والعلاقات الجيدة مع كل دول العالم.
لقد كانت الثورة في سنواتها الأولي تواجه خطر الاستعمار والقوي الأجنبية.. الآن نواجه المتآمرين علي إحداث فتنة طائفية والراعين للإرهاب والمؤمنين بالتطرف وكل هذا تحت مسمي الديموقراطية.. تحديات الداخل وأخطار المنطقة والمتغيرات العالمية تحالفت كلها علي مسيرة الوطن.. وأعتقد أن العزيمة والإرادة التي لا تلين التي يتحلي بها الرئيس مبارك في قيادة سفينة الوطن ستبقي روح الثورة كجذوة مشتعلة للأبد مهما كانت التحديات.