7لماذا يعد الادعاء بأن الديناصوراتتطورت إلى طيور خرافة غير علمية؟إن نظرية التطور هي حكاية خيالية قائمة على أمل تحقق المستحيل. وتحتل الطيور مكانة خاصة في هذه القصة. فأهم ما في الطيور هو أنها تملك ذلك العضو الرائع، الجناح. وبخلاف العجائب التكوينية في الأجنحة، فإن وظيفتها أيضا تثير الدهشة، لدرجة أن الطيران ظل هاجس الإنسان لآلاف السنين، وبذل آلاف العلماء والباحثين جهودا كبيرة لمحاكاته. وبصرف النظر عن بضع محاولات بدائية للغاية، لم يتمكن الإنسان من بناء آلات قادرة على الطيران إلا في القرن العشرين. لقد حاول الإنسان بكل التكنولوجيا التي تجمعت لديه على مدار مئات السنين أن يمارس شيئا مارسته الطيور عبر ملايين السنين التي وُجدت فيها. وعلاوة على ذلك، فبإمكان الطير الصغير أن يكتسب هذه المهارة بعد بضع محاولات فقط. كما أن كثيرا من صفات الطيور من الكمال بمكان بحيث تعجز حتى أحدث منتجات التكنولوجيا الحديثة عن مضاهاتها.
وترتكن نظرية التطور إلى ملاحظات متحيزة وليِّ الحقائق كي تفسر نشوء الحياة بكل تنوعها. وعندما يتعلق الأمر بكائنات حية مثل الطيور، يُنحَّى العلم جانبا تماما، لتحل محله قصص أنصار التطور الوهمية. ويرجع السبب في ذلك إلى الكائنات التي يدعي أنصار التطور أنها أسلاف الطيور. إذ تؤكد نظرية التطور أن أسلاف الطيور هي الديناصورات، أعضاء عائلة الزواحف. ويثير هذا الادعاء سؤالين لا بد من الإجابة عليهما. السؤال الأول هو: "كيف نبتت للديناصورات أجنحة؟" أما الثاني فهو: "لماذا لا يوجد أي أثر لهذا التطور في سجل الحفريات؟"
إن الفكرة القائلة بأن "الديناصورات نمت لها أجنحة أثناء محاولتها التقاط الذباب" ليست مزحة، بل هي بالأحرى نظرية يدعي أنصار التطور أنها نظرية علمية جدا. ويكفي هذا المثال في حد ذاته ليبين إلى أي مدى يجب أن نأخذ أنصار التطور بجدية. |
وفيما يتعلق بكيفية تحول الديناصورات إلى طيور، ظل أنصار التطور يناقشون تلك المسألة لفترة طويلة وتوصلوا إلى نظريتين. الأولى هي نظرية "العدو السريع" “cursorial” theory . وتؤكد هذه النظرية أن الديناصورات تحولت إلى طيور من خلال العدو السريع للطيران من الأرض إلى الجو. ويعترض مؤيدو النظرية الثانية على نظرية العدو السريع، ويقولون إن من غير الممكن أن تكون الديناصورات قد تحولت إلى طيور بهذه الطريقة. ويقترحون حلا آخر لهذه المسألة. إذ يدعون أن الديناصورات التي عاشت على أغصان الشجر تحولت إلى طيور لأنها كانت تحاول القفز من غصن إلى آخر. وتعرف تلك النظرية بالنظرية "الشجرية" “arboreal” theory . كما أن الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية طيران الديناصورات في الجو جاهزة أيضا: "أثناء محاولتها لاصطياد الذباب".
ومع ذلك، ينبغي أولا أن نطرح السؤال التالي على أولئك الذين يدعون أن جهاز الطيران، علاوة على الأجنحة، نشأ من جسم حيوان مثل الديناصور: كيف ظهر في الذباب جهاز الطيران، الذي تفوق كفاءته كفاءة الطائرة المروحية، التي تم تصميمها على غراره؟ سترى أن أنصار التطور ليس لديهم إجابة. ومن غير المعقول بالتأكيد لنظرية لا تستطيع أن تفسر وجود جهاز الطيران في كائن صغير مثل الذبابة أن تدعي أن الديناصورات تحولت إلى طيور.
ونتيجة لذلك، يتفق كل العلماء العقلاء المنطقيين على أن كل ما هو علمي في تلك النظريات هي أسماؤها اللاتينية. ولب المسألة هو أن طيران الزواحف ما هو إلا نسج من الخيال.
وينبغي أن يكون بمقدور أنصار التطور، الذين يدعون أن الديناصورات قد تحولت إلى طيور، إيجاد أدلة على ذلك في سجل الحفريات. فإذا كانت الديناصورات قد تحولت حقا إلى طيور، فلا بد أن توجد كائنات نصفها ديناصور ونصفها الآخر طير عاشت في الماضي وخلفت وراءها بعض الآثار في سجل الحفريات. لقد ادعى أنصار التطور لسنوات طويلة أن طيرا يدعى
"أركيوبتركس" “Archaeopteryx” جسَّد هذا التحول. ومع ذلك، فهذه الادعاءات ما هي إلا خدعة كبيرة.
خدعة الأركيوبترِكس عاش طير
الأركيوبتركس، السلف المزعوم للطيور الحديثة وفقا لأنصار التطور، قبل 150 مليون سنة تقريبا. وترى النظرية أن بعض الديناصورات الصغيرة، مثل
الفيلوسيرابتور Velociraptor أو
الدروماصور Dromaeosaur ، تطورت من خلال اكتساب الأجنحة ثم بدأت في الطيران. ومن ثم، يفترض أن يكون
الأركيوبتركس شكلا انتقاليا تفرع عن أسلافه الديناصورات وبدأ في الطيران لأول مرة.
ومع ذلك، تشير أحدث الدراسات حول حفريات
الأركيوبتركس إلى أن هذا التفسير ليس له أي أساس علمي. فمن المؤكد أن هذا الطير ليس شكلا انتقاليا، إنما هو نوع منقرض من الطيور، لا يوجد بينه وبين الطيور الحديثة أي اختلاف يذكر.
ولفترة ليست بعيدة، شاعت بين دوائر أنصار التطور الفرضية القائمة على أن
الأركيوبتركس كان "نصف طير" لا يستطيع الطيران على النحو الأمثل. وكان غياب القص sternum (أو عظم الصدر) في هذا الكائن يعتبر أهم دليل على أن هذا الطير لم يكن بمقدوره الطيران كما ينبغي. (والقص هو عظمة موجودة تحت الصدر تتصل بها العضلات اللازمة للطيران. وفي الوقت الحاضر، يُلاحَظ وجود عظم الصدر هذا في كل الطيور القادرة وغير القادرة على الطيران، بل حتى في الخفافيش، التي هي ثدييات طائرة تنتمي إلى عائلة مختلفة تماما).
ومع ذلك، فقد دحضت هذه الحجة حفرية
الأركيوبتركس السابعة، المكتشَفة في سنة 1992. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه في هذه الحفرية المكتشفة حديثا، تبين رغم كل شيء وجود عظم الصدر الذي لطالما اعتقد أنصار التطور أنه كان مفقودا. ووصفت مجلة
ناتشر تلك الحفرية على النحو التالي:
"تحتفظ العينة السابعة المكتشفة حديثا من الأركيوبتركس بجزء من قص مستطيل لطالما دار شك حول وجوده ولكنه لم يوثَق قط من قبل. ويشهد ذلك على قوة عضلات الطيران في هذا الطائر، ولكن قدرته على الطيران لمسافات طويلة ما زالت موضع جدل". 30 وقد أبطل هذا الاكتشاف الدعامة الأساسية للادعاء القائم على أن
الأركيوبتركس كان نصف طير ليس بمقدوره الطيران كما ينبغي.
وعلاوة على ذلك، أصبح تكوين ريش هذا الطير أحد أهم الأدلة التي تؤكد أن
الأركيوبتركس كان طيرا قادرا تماما على الطيران. ذلك أن التكوين غير المتماثل لريش
الأركيوبتركس لا يمكن تمييزه عن نظيره في الطيور الحديثة، وهو يشير إلى أن ذلك الطير كان بمقدوره الطيران على أكمل وجه. وكما قال عالم الحفريات البارز كارل أو. دانبر Carl O. Dunbar :
"لا ريب في أن يصنف (الأركيوبتركس) تحت فئة الطيور بسبب ريشه ".31 ويسهب عالم الحفريات روبرت كارول في شرح هذا الموضوع:
"تتطابق هندسة ريش الطيران في الأركيوبتركس مع نظيرتها في الطيور الحديثة القادرة على الطيران، بينما تتميز الطيور غير القادرة على الطيران بريش متماثل. كما أن طريقة ترتيب الريش على الجناح تندرج كذلك في نطاق الطيور الحديثة... ووفقا لفان تاين وبرجر، فإن الشكل والحجم النسبيين لجناح الأركيوبتركس مشابهان لنظرائهما في الطيور التي تتنقل عبر فتحات محدودة بين النباتات، مثل الطيور الدجاجية، واليمام، ودجاج الأرض، ونقار الخشب، ومعظم الطيور الجاثمة... لقد ظل ريش الطيران بلا حراك لمدة 150 مليون سنة على الأقل..."32 وهناك حقيقة أخرى تكشفت من خلال تركيب ريش
الأركيوبتركس ألا وهي أنه من ذوات الدم الحار. وكما ناقشنا أعلاه، فالزواحف والديناصورات – على الرغم من رغبة بعض أنصار التطور في أن يكون الوضع خلافا لذلك – حيوانات باردة الدم تتقلب حرارة جسمها بتغير حرارة البيئة، بدلا من أن تنتظم من داخل الجسم. وتتمثل إحدى أهم وظائف ريش الطيور في المحافظة على استقرار درجة حرارة الجسم. وتبين حقيقة أن
للأركيوبتركس ريشا أنه كان طيرا حقيقيا حار الدم يحتاج إلى الحفاظ على ثبات درجة حرارة جسمه، خلافا للديناصورات.
تشريح الأركيوبتركسوخطأ أنصار التطور هناك نقطتان مهمتان يستند إليهما علماء الأحياء من أنصار التطور عند ادعائهم بأن
الأركيوبتركس كان شكلا انتقاليا، ألا وهما المخالب الموجودة على جناحي الطير وأسنانه.
وصحيح أن
للأركيوبتركس مخالب على جناحيه وأسنانًا في فمه، ولكن هذه السمات لا تعني أن لهذا الكائن أي علاقة بالزواحف. وإلى جانب ذلك، فهناك نوعان من أنواع الطيور التي تعيش في وقتنا الحاضر،
الطَّوْرَق touraco و
الهوآتزن hoatzin ، لديهما مخالب تمكنهما من التمسك بالأغصان. إن هذه الكائنات طيور كاملة، ولا توجد بها أي صفة من صفات الزواحف. لذا، لا يوجد أي أساس قط للجزم بأن
الأركيوبتركس شكل انتقالي لمجرد وجود مخالب على جناحيه.
ولا تعني الأسنان الموجودة في منقار
الأركيوبتركس أن هذا الطير شكل انتقالي. ويخطئ أنصار التطور بقولهم إن هذه الأسنان من صفات الزواحف، لأن الأسنان ليست سمة نموذجية في الزواحف. وفي الوقت الحاضر، تملك بعض الزواحف أسنانا في حين يفتقر إليها البعض الآخر. وعلاوة على ذلك،
فالأركيوبتركس ليس النوع الوحيد من الطيور ذوات الأسنان. وصحيح أنه لا يوجد في الوقت الحاضر طيور ذوات أسنان، ولكن عندما ندرس سجل الحفريات بعناية، يتبين أنه خلال عصر
الأركيوبتركس وما تلاه من عصور، بل حتى وقت قريب إلى حد ما، كانت هناك مجموعة مميزة من الطيور يمكن تصنيفها تحت بند "الطيور ذوات الأسنان".
وأهم ما في الأمر هو أن بنية أسنان
الأركيوبتركس وغيره من الطيور ذوات الأسنان تختلف اختلافا تاما عن بنية أسنان أسلافها المزعومة، أي الديناصورات. وقد لاحظ علماء الطيور المشهورون إل. دي. مارتن L. D. Martin ، وجيه. دي. ستيوارت J. D.Stewart ، وكيه. إن. ويتستون K. N. Whetstone أن
للأركيوبتركس وغيره من الطيور المشابهة أسنانا غير مشرشرة محدودة القواعد وممتدة الجذور. بيد أن أسنان الديناصورات ذوات الأقدام theropod dinosaurs ، الأسلاف المزعومة لتلك الطيور، مشرشرة ومستقيمة الجذور.33 كما قارن هؤلاء الباحثون أيضا عظام كاحل
الأركيوبتركس بنظيرتها في أسلافه المزعومة، الديناصورات، ولم يلاحظوا أي تشابه بينهما.34
وكشفت دراسات أجراها علماء تشريح من أمثال إس. تارسيتانو S. Tarsitano ، وإم. كيه. هيخت M. K. Hecht ، وإيه. دي. ووكر A. D. Walker أن جون أُستروم John Ostrom ، أحد أبرز الثقات في هذا الموضوع، الذي يدعي أن
الأركيوبتركس تطور عن الديناصورات، وغيره من العلماء قد أخطئوا تفسير ما رأوه من أوجه تشابه بين أوصال
الأركيوبتركس والديناصورات.35 فمثلا، حلل إيه. دي. ووكر منطقة الأذن لدى
الأركيوبتركس واكتشف أنها شديدة الشبه بنظيرتها في الطيور الحديثة.36
وفي كتابه
أيقونات التطور Icons of Evolution ، لاحظ عالم الأحياء الأمريكي جوناثان وِلز Jonathan Wells أن
الأركيوبتركس قد تم تحويله إلى "أيقونة" لنظرية التطور، في حين أن الأدلة تبين بوضوح أن هذا الكائن ليس السلف البدائي للطيور. ووفقا لوِلز، فإن أحد المؤشرات على ذلك تتمثل في أن الديناصورات ذوات الأقدام – الأسلاف المزعومة
للأركيوبتركس – هي في الواقع أصغر سنا من
الأركيوبتركس:
"وتظهر لاحقا، الزواحف ذوات الأقدام التي كانت تعدو على الأرض، وتميزت بسمات أخرى غير التي يمكن أن يتوقع المرء أنها من سمات سلف الأركيوبتركس."37وتشير كل هذه النتائج إلى أن
الأركيوبتركس لم يكن حلقة انتقالية وإنما مجرد طير اندرج تحت فئة يمكن أن يطلق عليها "الطيور ذوات الأسنان". ولا يصح على الإطلاق ربط هذا الكائن بالديناصورات ذوات الأقدام. وفي مقالة بعنوان "
زوال نظرية ’الطيور هي ديناصورات ‘ " “The Demise of the ‘Birds Are Dinosaurs’ Theory” ، كتب عالم الأحياء الأمريكي ريتشارد إل. ديم Richard L. Deem عن
الأركيوبتركس وادعاء تطور الطيور عن الديناصورات ما يلي:
"تبين نتائج الدراسات الحديثة أن أيدي الديناصورات ذوات الأقدام قد اشتقت من الأرقام واحد، واثنين، وثلاثة، في حين أن أجنحة الطيور، على الرغم من تشابههما من ناحية البنية، مشتقة من الأرقام اثنين، وثلاثة، وأربعة... وهناك مشكلات أخرى تواجه نظرية "الطيور هي ديناصورات". فالطرف الأمامي للوحوش ذوات الأقدام أصغر بكثير (بالنسبة لحجم الجسم) من الطرف الأمامي للأركيوبتركس. كما أن "الجناح البدائي" الصغير للوحوش ذوات الأقدام ليس مقنعا جدا، خاصة عند الأخذ في الاعتبار وزن هذه الديناصورات الثقيل للغاية. ويجب ألا ننسى أن الغالبية العظمى من الوحوش ذوات الأقدام تفتقر إلى عظام المعصم شبه الهلالية، وتستعيض عنها بعدد كبير من عناصر المعصم الأخرى التي لا يوجد أي تماثل بينها وبين عظام الأركيوبتركس. وبالإضافة إلى ذلك، ففي كل الوحوش ذوات الأقدام تقريبا، يخرج العصب السادس من الجزء الجانبي من قحف المخ (الجمجمة)، بالإضافة إلى عدة أعصاب أخرى، بينما في الطيور، يخرج هذا العصب من الجزء الأمامي من قحف المخ، عبر فتحة خاصة به. كما توجد مشكلة أخرى صغيرة ألا وهي أن الغالبية العظمى من الوحوش ذوات الأقدام ظهرت بعد ظهور الأركيوبتركس".38 وتشير هذه الحقائق مرة أخرى بكل تأكيد إلى أن لا
الأركيوبتركس ولا الأنواع الأخرى من الطيور القديمة المشابهة له كانوا أشكالا انتقالية. ولا تشير الحفريات إلى أن أنواع الطيور المختلفة تطورت من بعضها البعض. بل على العكس، يثبت سجل الحفريات أن طيور اليوم الحديثة وبعض الطيور القديمة مثل
الأركيوبتركس عاشت في الواقع مع بعضها البعض في نفس الوقت. وصحيح أن بعضا من أنواع هذه الطيور، مثل
الأركيوبتركس و
الكونفيوشسورنيس Confuciusornis ، قد انقرض، لكن الحقيقة المتمثلة في أن بعض الأنواع التي كانت موجودة فيما مضى قد تمكنت من البقاء حتى يومنا هذا لا تدعم في حد ذاتها نظرية التطور.