حـلمـا يتـحقق

موضوع: حـلمـا يتـحقق 29.08.08 0:55

مازالت تجلس خلف هذا الزجاج منذ سنين تنتظر عودته بفارغ الصبر..

مرت أعوام ملت من عدّها وهي تجلس في ذات المكان مرتقبة ومنتظره..

تستيقظ كل صباح ترتدي ملابسها..وتذهب إلي الشباك لترمق العالم

من خلف هذا الزجاج ...ترشف القهوة في هدوء واطمئنان كما لو أنها تعرف

أن ما تنتظره آت لا محالة ...

منذ سنين عده ..كانت هذه السيدة المتقدمة بالعمر..شابة حسناء رائعة الجمال

كانت تأخذ القلوب بحلاوة كلامها وهدوء طباعها..وأحبت تلك الشابه..أحبت فتي

ليس بغريب عن طباعها..لكأنهما نسختان متعادلتان...وأحبها هذا الفتي..وعاشا لهذا الحب

إلي أن تشاء الظروف أن يرحل هذا الفتي لأحدى البلاد في فرصه عمل...

تمنت له السلامة..وتجاسرت واخفت دموعها وقلبها الكسير..وودعته ووعدته

بأنها باقية له مهما دارت السنون..وسافر الفتي مطمئن الفؤاد..إلي أن قُطعت أخباره

كادت الفتاه أن تجن..لا تعرف عنه شيئا ولا أحد يعرف عنه شيئا ولا وجود لاتصال

من أي نوع...قد تبخر الفتي تماما..وانتظرت..كم من العُمر انتظرت ؟؟

هي حقاً أصبحت لا تذكر...

تحيا علي وعودٍ سابقه وأحلاماً بائتة..تحيا لها ومعها بداخلها..تحياها..تحدثها..تسمعها

وتسمعها...وظلت كما هيّ حفظاً لعهده ووعدها معه..وحيدة أكثر..ولكنها تنتظر أملاً.

****************************************

إلي أن جاء يوم....جاءها ساعِ البريد يحمل خطاباً له مذاق الغربة والحنين

كان هذا الخطاب منه ..هو أبعد كل هذه السنون ؟؟

نعم هو..مازال حي..مازال يذكرها..

كان الكلام عادياً خالياً من أي عواطف..عملياً أكثر من اللازم....

عزيزتي...

سأصل أرض الوطن بعد يومين..أقابلك باليوم الثالث في نفس مكاننا السابق..

أراكي بخير....

حمدت الله كثيرا ..أن هذا المكان لم يتغير... وأخذت تجوب شقتها ذهاباً وإياباً

يميناً ويساراً وتلف في دوائر..تفكر كيف ستقابله !!

كيف سيبدو بعد كل هذه الأعوام ؟؟ إنها لا تذكر سوي صورة باهتة له..عندما كان

شاباً يافعاً وسيماً..فكيف هو الآن ؟؟

وكيف سيتقبلها بعدما ظهر عليها الكبر وغيرتها السنون وعركتها الحياة ..

ماذا ارتدي ؟؟ هل أضع مساحيق تجميل ؟؟وأسئلة كثيرة مثل هذه ترددت داخلها

يحملها حنين الماضي إلي أيام بعيده لم تنساها..ويحمل لها الغد أملاً.....خائفةٌ من تصديقه...

**************************************************

وجاء اليوم الموعود..وذهبت إلي المكان المحدد للقاء..وجلست إلي إحدى الموائد

ترقب الجالسين في شغف...لا وجود له..لم يأت بعد...وزادت الحيرة بقلبها..

تُري هل نسي الموعد ؟؟ أم لم يصل ؟؟

وأفاقت من شرودها علي اصطدام شيء معدني بقدمها...إنها عصا رجل كفيف..

قامت لتساعده في ألم..

_ تفضل بالجلوس ..

_ أشكرك أنا بانتظار...

هو..تعلم يقيناً إنه هو..وفي ذات اللحظة نطقت اسمه ونطق هو الآخر اسمها..

رباه..كم تقدم به العمر و تدهور به الحال !!

أجلسته وهيّ تحس إن الحياة تعود من جديد...ظلت ترقبه وتتفحصه بعناية......

رجل أشيب..تقدم به الحال..لا يري بعينيه فقد كان ومازال يري بقلبه...

قال لها : هل تزوجتِ ؟؟

ردت في هدوء : بالطبع لا..أنا أحفظ عهودي...

_ ظننت إني بعدم عودتي أحللتك من وعدك.

_ بل قد قيدتني به طوال العمر..ليتك عدت واستطعت أن تحلني منه.

_إذا ما عرفتِ ما أصابني ستسامحيني..

_ومن قال إني لا أسامحك ؟؟

_ قد أصبحت رجلاً أعمي..هذا ما دفعني للهروب وعدم العودة..

_ومازلت أحبك وهذا ما جعلني أنتظرك طيلة هذه السنون..

_ أنا كفيف

_ وأنا عجوز

_ هذا يعني أن ..............

_ مازلت أنتظر عودتك حتى نتزوج ؟؟

_ نتزوج ؟؟ ولكن ... أنتِ ترين ما عليه حالتي ...

_ ليس أمامك اختيار آخر..ألا تحفظ عهدك معي ؟؟ نحن لا نتحاج أعيناً كي نري

نحن نحتاج قلوباً وأرواحاً كي نظل نحب..

إن الحياة تبتسم لهما من جديد..فلا وجود في دنيا الحب لمبصرين أو فروق بين

الشيخوخة والشباب..إن الحب هو ما يعطي هذه المصطلحات معانيها...

وينير لها الطريق ويهديها..ويجعل منها غاية وهدفاً يصل إليه العاشقين.