القراءة ... في حياتنــا
شاءَ القدرُ أنْ نُــرزقُ بأبٍ يحبُّ القراءةَ بل يعشقُهــــا ، ويتغزَّلُ بها بين الفينة والأخرى ، تولَّع بها منذُ صغره وشبَّ عليها ، ويمتلك كتباً أطول من عمره ! ، هذا الرجل الذي لم يكمل الإعدادية لظروف عائلية صعبة مرَّ بها قهرته فقهرها ولكن الذي يتحدث معه الآن يظن أنه دكتور صاحب مجالات متعددة ( شريعة ، تاريخ ، أدب ، سياسة ) ، مع أنه مازال في أواخر عقده الرابع ، هذا الرجل الذي يمتلك من مكارم الأخلاق الكثير : مثقف ، شهم ، نبيل ، وفيّ ، صبور ، شكور ، معطاء ، صادق ، شاعر - وصاحب لسان فصيح ومهذب .
عندما نتحدث معه نحن أبناؤه ونحن نحمل شهادات جامعية نشعرُ بأننا أقل منه علماً ومعرفةً ووعياً وخُلقاً ، فنحن مازلنا نقطة في بحره الغزير ( أسأل الله له طولة العمر والعافية ) .. يقول لنا : لقد أثرتْ عليَّ القراءة بشكلٍ كبير ، فقد كنت من صغري أبيع الكتب ، وأقرأ يومياً حوالي 14 ساعة دون ملل ودون كلل وكلما زادت ساعات قراءاتي زاد تشبثي بالكتاب !! .. وعن الكتب التي قرأها في صغره قال : قرأت عن سيرة الرسول أولاً ، وسيرة الخلفاء - وسيرة رجالات التاريخ - وفي الشريعة كنت أقرأ كتباً لإبن قيم الجوزية والشافعي والنووي وغيره - وقرأت قصص ألف ليلة وليلة - الأمير حمزة البهلوان - فيروز شاه - عنترة بن شداد - سيف بن ذي يزن - الاسكندر - زنوبيا - وغيرهم كثير من الفاتحين وأصحاب السير العطرة ومازال يحتفظ بهذه الكتب جميعها .
فوالدي يمتلك مكتبة تضم أكثر من 500 كتاب متنوع المجالات يعود بعضها إلى 70 سنة .
فبالتأكيد إنعكس ذلك على أبناؤه فقد ورثنا عنه حبَّ القراءة .
أما أنا فالقراءة تعني لي الكثير ، أشتاقُ إليها إن إبتعدتُ عنها ، فهي حبيبتي وزادي وعِتَادي ، مشغوفٌ قلبي بها ، ولا يستطيع أحد أن يصرفني عنها ، فهي تَسرِقُ قلبي دون أن أشعر ، وتمتلك روحي وتسحَرُ عقلي فأصبح كالمجنون بها !!!
فكما أثرتْ القراءة في أبي وأثرتْ في أبناءه ، فأكيد أنها أثرتْ بكَ أنت يامنْ تقرأ هذه السطور ، لذا أحببتُ هنا أن نتحدث عنها .
القراءة لها محاسن عدة فهي تُسلي النفس ، تُشبع الروح ، تُغذي العقل ، تُزيح الهموم ، تُحسِّن الألفاظ ، تقوي اللغة ، تُهذِّب الفكر ويستلذ البصر فيما وقع عليه من الأسطر .
( ولكن يجب على الشخص أن يختار مايقرأه بعناية ، لأن التاريخ لا يخلو من المغالطات ، وقد تقع في أيدينا كتب تشوه الصرة التاريخية أو السياسية أو حتى الأدبية وهذا هي السيئة الوحيدة التي تُعكّر صفو القراءة ) !!
والله سبحانه وتعالى قد أنعم عليك بأسباب القراءة : نعمة العقل ، القلب ، البصر ، اليدين .
القلب : ميلك الدائم لها والشعور الذي ينتابك حتى تهمّ بالقراءة .
العقل : مايفكر ويستوعب الذي يقرأه .
البصر : الإستلذاذ برؤية الكتاب والتنقل بين صفحاته ، والتمتع بالمكتوب .
اليدين : تلامس الكتب وتقلِّب صفحاته ، وتبقى رائحة الكتب عالقة تُذكرك بأن هذا الكتاب قد قرأته من قبل .
فأنت بالتأكيد قد قرأت في السير ، الشريعة ، التاريخ ، اللغة ، الأدب ، الفلسفة ، الطب ، الهندسة ، التقنية ، السياسة ، وغيره .
فهل شكرتَ ربك على ماوهبك من أسباب القراءة ؟؟!!
بعدما قرأت ماكتبته من أسطر هنا قل لي بربك ... هل أثَّرتْ القراءة في نفسك ؟ هل هذَّبتْ أخلاقك ؟ هل غيَّرتْ في حياتك شيئاً ما ؟ هل صححتْ أفكارك ؟ هل هي جزء مهم من حياتك أم أنها مهمشة ؟ وماهي ميولك ( لا أقصد تخصصك العملي ) ؟
والسؤال الأهم الذي يُطرح دائماً : ماالــــذي تعنيــــــــــه لكَ القـــــــراءة ؟
قال تعالى : (( إقرأ بإسم ربك الذي خلق ))
قال تعالى : (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ))
عندما تتدّبر وتتمعّن في هاتين الآيتين تعلم بأن الذي خلقنا يأمرنا بالقراءة وطلب المعرفة والعلم لمنافعها على الفرد والمجتمع وعلى الشعوب والأمم .
.. حدثنا عن حياتك مع القراءة ؟؟ .. وعن مدى صحبتك مع الكتاب ؟؟ هل هي قوية ؟